(ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه)
(آية 28:سورة الأنعام)
يخبرنا الله في هذه الآية المخيفة
أن أهل النار يطلبون من ربهم العودة للدنيا،
ثم يخبرنا أنه لو أعادهم للدنيا لعادوا لما نهاهم عنه
من الكفر والفسوق،
وما أعجب الانسان في اغتراره
وجهله وظلمه لنفسه.
وقد كنت أمر بهذه الآية متعجبا،
وإنما أصدقها بمطلق التصديق بكتاب الله،
حتى إذا مرت السنوات لبثت أقلب النظر
في الناس وأفكر في أحوالهم،
فكم من مريض أشرف على الموت حتى بلغ حافته،
وكم من مذعورٍ تزلزلت الأرض تحت أقدامه
في يوم كيوم الحشر،
وكم من خائف عصفت به العواصف حتى كأنما يرى
عذاب الأمم السابقة رأي العين،
وكم من حائر ضلت قدماه في الطرق حتى ظن أنه هالك،
وكلهم هؤلاء قد هربوا إلى الله،
وتوسلوا به وقد أبصروا بأعينهم تفاهة الدنيا،
وانفتحت لهم على الآخرة أبواب الندم لما فرطوا فيها،
فتمنوا الأماني أن يعودوا للحياة والأحياء
فيعملوا غير الذي قد عملوا،
فلما أبقاهم الله وقد كتب لهم النجاة ..
إذ بأكثرهم يعود لما نهاه الله عنه.
وكل هذه الأحوال رأيناها من أنفسنا ومن غيرنا،
وهي إشارة أن النفس الوالغة في غيها ستطل تؤوب إليه،
وإن العزم على عدم العودة يستوجب الندم على ما قد كان،
ويستوجب البعد عما يفتن النفس وينسيها وعودها لربها بعدم الطغيان.
عبد الله الزهراني